الرئيسية| التقارير |تفاصيل الخبر

أبعد من التطبيع... أقرب من الصهيونية

ناصر السهلي

عجبا أن يسمى المشهد "تطبيعاً"، فيما يتجاوز الفعل الوصف، مع إعلان تحالفات وإشاعة أجواء كراهية ضد الفلسطينيين وقضيتهم. 


رغم توقيع مصر والأردن لاتفاقيتي سلام مع دولة الاحتلال ("كامب دافيد" و"وادي عربة")، لم يكن لزائر البلدين أن يلحظ مشاهد التذلل والغبطة في إظهار حفاوة بـ"أولاد العمومة في دبي"، على ما ذهب "بروفيسور" تويتر نيابة عن ولي أمره، واعتبار آخر أن "الفلسطينيين هم أعداء العرب" من وسط "أرض الحرمين" كـ"تعبير حر عن الرأي". بل على العكس من ذلك، وإن لم تكن وسائل التواصل بهذا الانتشار، لم يجد المرء صحف ومثقفي القاهرة وعمّان يأخذون المشهد إلى مستويات مستشرقي الصهيونية في رواية مقززة، شبيهة بالتي يشهدها جيل عربي هذه الأيام. 





المشهد في 2020 بالمطلق ليس تطبيعاً. والمشكلة ليست فقط أن مفردة "التطبيع" عند التلفزة والصحافة ووسائل التواصل لم تعد وصفاً دقيقاً له، بل أيضاً في انتحال وتزوير فاضحين، وغير مسبوقين عربياً، في المعنى الحرفي للانقياد القطيعي وراء روايات "أولاد عم" و"التنوع الثقافي في إسرائيل". 


ملتقطو الصور، وبعضهم مصر على الظهور بثوب خليجي، يصرون على زاوية محددة في استباحة العقل. في صورة من صور أطلال يافا العربية الفلسطينية لم يظهر المسجد الذي نهبه "فنانو ومثقفو التطهير"، كمقر لهم. ويقيناً، لن يفهم الفرحون بـ"التنوع"، في سياق موجة "دلق المكبوت"، أن الخبر ناقص، مثلما تخفي الصورة ما خلف أشواك الصبار.. فمن الحد الجنوبي ليافا، وعمقاً نحو الشرق ووسط البلاد، وصولاً إلى الشمال، حيث يرقد عز الدين القسام على كتف كرمل حيفا، في "بلد الشيخ"، الشواهد باقية على أن فلسطين ليست شاطئ وبارات ومراقص تل أبيب، وأكاذيب تغييب ما يعنيه قانون "يهودية الدولة"، ووجوه غريبة اغتصبت حتى سجاجيد وبيوت عكا ويافا وحيفا وصفد ترشيحا وكل الجليل. 


"أرض الصبار" هو عنوان كتاب الصحافي الدنماركي، كارلو هانسن، صدر بعد "أوسلو"، لم يتأثر بأكاذيب الصور والروايات التي تنحي جانباً شعباً بأكمله، كغيره من صحافيي وناشطي الغرب واليهود الرافضين للصهيونية التي صنفت حتى وقت قريب بأنها حركة عنصرية. مثل غيره، أعمل كارلو هانسن عقله وحسه بالعدالة، مفتشاً خلف الصبار عن طمس الأثر الفلسطيني. وفي المقابل لا تنفع رطانة "عربي" بإنكليزية وعبرية لممارسة اغتصاب اسم عرب آخرين بالقول "نحن صهيونيون"، مع لازمة التقاء العنصرية الصهيونية، ليس فقط عند جمهور فريق كرة قدم، بمثيلتها "العربية". 




لعل دعاة "التسامح" لم يعد يعنيهم إفراط الظهور الدوني والانفصامي، وفيهم من يقرض على طفله علم الاحتلال الإسرائيلي وإشعال شموع وغناء مشترك عن "أرض إسرائيل"، ودعوات "تزاور عائلي"، وسرقة التراث الفلسطيني، على طاولات بيوت "عربية" وطائرات خليجية. لكن، تبقى زاوية الصورة مهمة، مهما ظن المتأسرلون العرب أنهم يستغفلوننا، في تفجعهم عن "الصلاة في القدس"، التي يحرم منها أصلاً أهل فلسطين. فالقفز كاللصوص الأولين، المتحولين إلى مثل أعلى لبعض العرب، على أسوار القدس وشواطئ فلسطين، يعيد للأسف صورة العربي القديمة، في زمن بونوغرافيا مواخير كوبنهاغن وأمستردام وهامبورغ في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. فزاوية الصورة الظبيانية والبحرينية، وعلى استحياء مسكوت عنه في الرياض؛ عن أن "الأقصى في السعودية"، فضيحة أخرى لتبرير الانبطاح باسم "السلام" و"الصلاة في القدس". 


في مجمل الصور لم تعد مفردة التطبيع، بحال من الأحوال، تكفي وسائل الإعلام والصحافة. فمن يظن في بعض الخليج العربي أن فلسطين تحتاج له من الزاوية الدينية هو مخطئ جداً. فمن لا يملك حس العدالة، ومن هو غير قادر على التفريق بين الظلم والحق، لا صلاته في القدس ولا استمتاعه بأطلال الحق الفلسطيني ستجعل منه "عربياً جيداً".. وليجرب حظه بغترته في أحياء غربي القدس المغتصبة، وسط الصورة الحقيقية لنبع التطرف اليهودي. 


المُخاطب هنا، بحثاً عن تسمية أخرى غير التطبيع، هو ليس المحتفي على الشاشات بمسروقات الأرض الفلسطينية في متاجره، ولا عراة الأخلاق في زمن الإساءة إلى الكل العربي. بل الصامتون أمام زوايا الذل بالاحتفاء بقاتل أطفال فلسطين، أو على الأقل صحف وشاشات أثبتت أنها أدوات "ولاة الأمر".



















مقاطعة نشطة

الأكثر قراءة

أخبار ذات صلة