نشرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، تقريرًا قدمته لمجلس حقوق الإنسان حول انتهاك سلطات الاحتلال الإسرائيلية لحقوق أعضاء المجتمع المدني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر تقييدهم وإسكاتهم من خلال استراتيجية نزع الشرعية عنهم عدا عن ملاحقة الداعمين لهم.
وكشف التقرير عن سعي الاحتلال لجعل أعضاء المجتمع المدني جزءًا من أهدافه الدائمة للمحافظة على وجوده وتكريسه على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، بحيث يتم معاملتهم بطريقة تعسفية عدا عن تعرضهم للمضايقات والتهديدات والاعتقالات والاحتجاز، والتعذيب والمعاملة غير الإنسانية بصورة تنتهك حقوق الإنسان الأساسية بشكل غير مبرر.
وذكر التقرير الأممي أن الحكومة الإسرائيلية عملت على تجريم منظمات المجتمع المدني الفلسطينية وأعضائها بصورة غير قانونية عبر تصنيفهم على أنهم "إرهابيون"، كما مارست الضغوط والتهديدات على المؤسسات التي توفر منصة لحوار المجتمع المدني، عدا عن اتخاذها الإجراءات من أجل قطع مصادر التمويل لهذه المنظمات عبر تكثيف الضغط على المانحين من أجل التوقف عن دعمهم.
وفي إطار ذلك، أعربت "نافي بيليه" رئيسة لجنة التحقيق عن قلقها إزاء وضع المدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطينيين الذين يتعرضون بشكلٍ متكرر لمجموعة من التدابير العقابية كجزء من نظام الاحتلال، مشيرةً إلى ضلوع سلطات الاحتلال في الحد من الحقوق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات السلمية في الأراضي الفلسطينية.
كما تناولت "بيليه" تداعيات التدابير الإسرائيلية تجاه منظمات المجتمع المدنية منوهةً إلى اتساع نطاقها لتشمل فئة الأطفال مشيرةً إلى الانعكاس السلبي لذلك عليهم حيث تسهم في تفكك الأسر وزيادة الصدمة النفسية والخوف، في ظل تقييد الحق في حرية التعبير والخصوصية و المحاكمة عادلة.
أما عن مسار التقرير، فقد أجرت لجنة التحقيق ما يربو عن 127 مقابلة مع الضحايا والشهود والخبراء وغيرهم، بحيث شملت هذه المقابلات جلسات استماع علنية ومغلقة عقدت في جنيف في تشرين الثاني/نوفمبر2022 وآذار/مارس 2023.
كما خصصت اللجنة جزءًا مهمًا من التقرير لمراجعة السياسات والممارسات التقييدية وتأثيرها على مجموعات المجتمع المدني المختلفة، بما فيها من صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وفنانين ونشطاء ثقافيين عدا عن المراكز الثقافية الفلسطينية.
وذكر التقرير أن الصحفيين الفلسطينيين باتوا هدفًا خاصًا للتدابير العقابية الإسرائيلية، في سبيل ردعهم عن مواصلة عملهم.
كما وجد أن المدافعات عن حقوق الإنسان يواجهن مخاطر كبيرة بسبب دورهن في النضال من أجل التغيير المجتمعي والسياسي، وفي ذلك قال عضو لجنة التحقيق ميلون كوثاري "تعرضت المدافعات عن حقوق الإنسان أثناء الاحتجاجات والمضايقات لحملات تشهير بهدف تشويه سمعتهن وردعهن عن النشاط في الأماكن العامة".
وأوضح التقرير أن الإجراءات الإسرائيلية ضد منظمات المجتمع المدني قد تشكل جرائم بموجب القانون الدولي، لانتهاكها القانون الدولي الإنساني، كما تناول التقرير قضية ترحيل الناشط الفلسطيني الحقوقي بفرنسا صلاح الحموري منوهًا إلى مخالفتها لاتفاقية جنيف الرابعة منوهًا أن إلغاء تصاريح المدافعين عن حقوق الإنسان للإقامة في القدس يعد جريمة حرب.
وطالب التقرير المحكمة الجنائية الدولية بإجراء تحقيق للوضع في الأراضي الفلسطينية، كما أوصى جميع الجهات المسؤولة بكفالة حماية الحق في حرية تكوين الجمعيات والتعبير، واحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمدافعين عن حقوق الإنسان والجهات الفاعلة في المجتمع المدني لضمان القيام بأنشطتها بأمان.
وردًا على التقرير، تعرضت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة لهجوم تحريضي من قبل وسائل إعلام عبرية ومنظمات داعمة للاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، انتقدت منظمة “NGO Monitor” المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي نتائج التقرير، متهمةً اللجنة بمحاولتها "تشويه صورة سياسة الاحتلال الإسرائيلي في مكافحة الإرهاب".
كما هاجمت كاتبة حقوقية في موقع "jns" الإسرائيلي عبر مقال لها أعضاء الأمم المتحدة (نافي بيلاي، كريس سيدوتي، وميلون كوثاري) القائمين على إجراء هذا التقرير، متهمةً إياهم بمعاداة السامية.
و زعمت الكاتبة انتهاك التقرير لقواعد الأمم المتحدة التي تطالب بالحياد والاستقلال والموضوعية، مدعيةً إساءة التقرير لسمعة الاحتلال الإسرائيلي في هجوم غير مسبوق من قبل أعضاء الأمم المتحدة.
أما عن صحيفة "ذا تايم أوف إسرائيل" فقد اتهمت أعضاء الأمم المتحدة بالتحريض على الاحتلال الإسرائيلي، زاعمةً ارتباط المنظمات المدنية بحركات مقاومة فلسطينية.
كما ادعت بعثة “إسرائيل” في الأمم المتحدة في جنيف، بوجود تحيزات مسبقة لدى أعضاء اللجنة، كما زعمت البعثة بوجود مجتمع مدني مستقل لدى الاحتلال الإسرائيلي ويتألف من آلاف المنظمات غير الحكومية والحقوقية ووسائل الإعلام الوطنية والدولية التي يمكنها العمل بحرية على مدار العام.
يذكر أن لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية تأسست عام 2021م، في أعقاب قرار مجلس حقوق الإنسان المعنون بـ"ضمان احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلّة، بما فيها شرق القدس، وفي إسرائيل" خلال دورة استثنائية لبحث الانتهاكات هناك.
ورصدت اللجنة حظر الاحتلال لسبع منظمات حقوقية فلسطينية في عامي 2020 و 2021، وذلك بعد مداهمة مقراتهم وإغلاق بعض مكاتبهم بذريعة "الإرهاب".
فيما تقوم اللجنة بتقديم تقرير سنوي عن أنشطتها الرئيسية إلى مجلس حقوق الإنسان وإلى الجمعية العامة، وذلك في ظل تحقيقها بجميع الأسباب الكامنة وراء التوترات المتكرّرة وعدم الاستقرار، بما في ذلك التمييز والقمع المنهجيان على أساس الهوية الوطنية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية"، لا سيما في الأراضي الفلسطينية.