جمانة الصانع
صعقني بالأمس المحلل السعودي المدعو عبد الحميد الغبين على (bbc Arabic) وهو يتحدث باسمنا جميعا كأبناء للأقاليم الأربعة التي تسمى باسم السعودية (آل سعود) حينما قال: "اليوم نعرف من عدونا من صديقنا"، وأن "إسرائيل أثبتت في المواقف الصعبة الحقيقية أنها داعمة مخلصة للسعودية!". ولم يتوقف زعمه هنا، لكنه ادعى أن الشعب السعودي بأجمعه لا يعتبر الصهاينة أعداء، وإنما الأعداء هم في "اليمن وإيران" وفق تعبيره!
أما أنا وكحجازية أعيش في الخارج ولدي فسحة من الحرية فيشهد الله أنني بريئة من الصهاينة كل البراءة، وأنتمي بقلبي وروحي للنضال والمقاومة الفلسطينية حتى ينقطع النفس، وكل من أعرفهم من أبناء شعبي هذا هو موقفهم، لكنهم بالطبع لا يجرؤون على معارضة الحاكم بأمر الله، ولو فعلوا فحد الحرابة بانتظار الخوارج!!
ولكم أن تتذكروا مصير الشهيد الكبير جمال خاشقجي الذي جعلت منه عبارته "إن من يتنازل عن الأقصى فإنه يتنازل لاحقا عن الحرمين الشريفين.. صيرته هذه العبارة الصادقة المعبرة جسدا مقطعا إلى 20 جزءا، هذا وهو الشخصية ذات المكانة، والمستشار الملكي السابق، فكيف لو عبر المواطنون العاديون عن موقفهم أو دعمهم للمقاومة الفلسطينية وكرههم الشديد لدولة إسرائيل؟
واليوم يرددون عدونا إيران واليمن! ومصلحتنا الأكيدة مع إسرائيل ضد إيران، في تماه مع ما قاله نتنياهو لترامب عشية صفقة القرن، وكأن من يعارض الصهاينة هم إيران والشيعة فقط! مع أن الأغلبية الإسلامية السنية بخلاف التوجه السلفي السعودي هي في تناقض جذري مع الصهاينة، والصراع هو صراع دين ووجود.
التطبيع الوقح عرفناه بعد حقبة ابن سلمان المشؤومة، وهو المسؤول عن هذا الانحدار الذي وصلت إليه شريحة من السعوديين. أما نحن فلم نفتأ في الماضي والآن محذرين من خطر الصهيونية ونَعِي أساليبها، ونعرف أنه لا بد من مجابهتها.
وكانت قضية فلسطين ولا تزال من أولوياتنا، حتى على مستوى الإذاعات المدرسية، وفي كل مناسبة لا ننسى ذكرها والحديث عن مظلوميتها، أما مؤخرا ومع ذروة الانحراف مع مجيء ابن سلمان، وجدنا أن هذه القضية المركزية قد تلاشت شيئا فشيئا، ودخلنا في بيئة الموضات والصرعات الغربية، وأهلكنا ابن سلمان وتركي آل الشيخ بكل صنوف الفسق والتعري والانحطاط والشذوذ، في حرب مفتوحة على كل القيم والأسس السليمة التي جبلنا عليها. وهنا تاهت قضية القدس في طيات انبطاحكم لبني صهيون، حتى صرنا هذا الجيل الهش الذي يتباهى الغبين على شاشة بي بي سي بأنه عاشق للصهاينة وإجرامهم، وكأن لا هوية لنا، ولا انتماء دينيا أو ثقافيا أو فكريا متصلا بعروبتنا وديننا!
وهكذا بعد أن سقطت الأقنعة، وتجلّت علاقتكم السافرة مع بني صهيون، نرى من هم أوصياء على الدين كمحمد العيسى، أمين عام ما يسمى برابطة العالم الإسلامي المعين من ولي نعمتكم، يزورون متحف الهولوكست اليهودي حزانى متأثرين، بينما لا تنبسون ببنت شفة ترحما على شهداء وزهور فلسطين المغدورين برصاص الحقد الصهيوني، وكما سبقه الشيخ السديس الذي رفض تسمية المقاومة ضد إسرائيل جهادا بينما اعتبر فضيلته ترامب رجل محبة وسلام! وكمواطنة سعودية أريد أن أسأل علماء وفقهاء المملكة: أيها السادة العلماء، ما رأيكم في بيع القدس واغتصاب فلسطين؟ وما هو موقف الإسلام من مشاركة حكامكم في هذا البيع؟
وحقيقة الأمر أنكم تكشفون عن علاقة كانت في السر وانتقلت للعلن بين الحكم السعودي وبين الصهاينة، وحاشا ذلك شعبنا بالطبع. وكل يوم تزداد هذه البجاحة من حكام الحجاز، حتى وصل بهم الحال للسماح بترجمة القرآن للعبرية بقرار معتمد من مجمع الملك فهد، وهذه الترجمة تعمّدت أخطاء كارثية لها دلائل سياسية خطيرة لتتماهى مع التوراة ..!!
إنه التحالف الاستراتيجي؛ تحالف الشراكة والتطبيع الذي يعزز الروابط مع عدو الإسلام، وذلك في محاولات يائسة لتحطيم أركانه. والليلة الماضية، وبدعم من محمد بن سلمان وحلفائه، يتجرأ الأمريكيون، فيتصرفون وكأن فلسطين شقة في برج ترامب، وليست وطنا لشعب يقاتل في سبيل تحريرها منذ 100 سنة.. محمد بن سلمان الذي عمل على فرض صفقة القرن على الشعب الفلسطيني ودعم حصار أهلنا بغزة، وحاصر أهلنا في قطر، وقتل إخواننا في اليمن ودعم الطغاة لذبح شعوبهم هذا الشخص خطر على البشرية جمعاء.
ختاما، فإن فلسطين في هذه اللحظات تقسم العالم إلى جبهتين واضحتين؛ لا لبس فيهما ولا ألوانَ، فقط الأبيض والأسود. اليوم سيغدو كل شيء واضحا، وسيبدو كل شيء مفرَزا. وتحضرني الآية: "إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خيرٌ لكم".. "والله من ورائهم محيط".
29 يناير 2020