معن البياري


تتوالى، في فلسطين، مهرجاناتٌ فنيةٌ وملتقياتٌ في فلسطين المحتلة، في الرقص والموسيقى والغناء، وفي النقاش الأدبي، بمشاركاتٍ عربية وأجنبية، بتنظيمٍ من مؤسسات وهيئاتٍ فلسطينيةٍ أهلية، أو من وزارة الثقافة الفلسطينية. وقد بدأت، أمس الإثنين، فعاليات ملتقى فلسطين الثاني للرواية العربية، والمدعو إلى المشاركة فيه 45 روائيا وناشرا عربيا وفلسطينيا (لم تعط إسرائيل أذون دخولٍ لغير حملة الجنسيات الأجنبية منهم، فيشارك الغائبون عبر الفيديوكونفرس). وتُختتم اليوم الثلاثاء أمسيات الدورة العشرين لمهرجان فلسطين الدولي للرقص والموسيقى، وشاركت فيه 16 فرقة من فلسطين والسويد والمغرب وفرنسا. وانتهت، السبت الماضي، سهريات مهرجان البيرة الدولي السابع، الغنائي، وكان قد بدأ أياما بعد اختتام الدورة الحادية عشرة لمهرجان "وين ع رام الله"، وكان من أبرز المشاركين العرب فيه الفنان المصري، حمزة نمرة.


وفي الوسع أن يغبِط واحدُنا أهل فلسطين، أو بعضَهم للدقة، على هذه الهمّة في مقاومة الأوضاع المتردّية والمُحبطة على غير صعيد، باستدعاء الفرح، في تظاهرات غناءٍ وموسيقى عالية المستوى، وفي استضافة أهل الكتابة والأدب، في ملتقىً تتنوع زوايا تناوله موضوعاته. ولسنا في حاجةٍ إلى استدعاء البديهيّ الذي طالما تكرّر، عن حب الفلسطينيين الحياة، وشغفهم بكل تعبيرات البهجة بها، وهم الذين ما يقاومون المحتلين، وما يفتدون وطنهم بأرواحهم، إلا محبةً بالحياة. وهذا قصر رام الله الثقافي، قرأنا أنه ضجّت كل مساحاته، حتى معابر المرور بين جنباته، بالحضور الذين وفدوا من كل الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني، للإنصات إلى حفل الثلاثي جبران، ضمن مهرجان فلسطين الدولي للرقص والموسيقى الذي افتتح لأول مرة في الداخل، في الناصرة، وتنوّعت عروضُه في رام الله وجنين والقدس وغزة وقلقيلية، ما يؤشّر إلى وجاهة حديث مدير عام جمعية الثقافة العربية (الشريكة في تنظيم المهرجان)، رولا خوري، عن تأكيد المهرجان وحدة الشعب الفلسطيني.


وكان الظن أن القيل والقال في مسألة التطبيع بشأن مشاركاتٍ عربيةٍ في هذه التظاهرات التي تنظّمها مؤسساتٌ وطنيةٌ فلسطينيةٌ قد استهلَك نفسه، ولم يعد الأخذ والرد فيه يجذب أحدا، ليس فقط لأن وطنيةَ المشاركين العرب في هذه الفعاليات، وانتسابَهم إلى الأفق الفلسطيني، حريةً وثقافةً وإبداعا، لا يليق أن تصبح موضوعا للتٍّ وعجْنٍ مرفوضيْن، مع التسليم، في الوقت نفسِه، باحترام موقف أي فنان أو كاتب عربي، يرى في تلبيته دعوةً من مؤسسة فلسطينية للمشاركة في مثل هذه الفعاليات شبهة تطبيعٍ مع إسرائيل، طالما أن زوّار الفلسطينيين في وطنهم يحتاجون إلى تصريح من المحتل، وطالما أن فلسطين، كلها، ما زالت محتلة، على أن لا يتجاوز صاحبُ هذا الموقف مساحتَه الشخصية بالتعريض بالآخرين.


كان الظن هو ذاك، غير أن مشاركة حمزة نمرة، في مهرجان "وين ع رام الله"، خضعت لشيءٍ من هذا القيل والقال. وعجيبٌ، أو طريفٌ ربما، أن يكون هذا الفنان المصري وحدَه من جرى الكلام بشأن زيارته رام الله، إن كانت تطبيعا أم لا، فيما "نجا" (؟!) من أمرٍ كهذا عربٌ عديدون تقاطروا إلى فلسطين، ضيوفا على بعض أهلها للمشاركة في المهرجانات والمناسبات المشار إليها، بتصاريح دخولٍ تواصلَ جهازٌ مختصٌ في السلطة الوطنية الفلسطينية مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي من أجل استخراجها. هل يعودُ هذا الأمر إلى تشدّدٍ معروفٍ لدى النقابات الفنية (والمهنية) المصرية بشأن رفض أي شكلٍ من التطبيع مع إسرائيل؟ أم أن المسألة مجرّد انتباهٍ من بعض الصحافة إلى حمزة نمرة، بالنظر إلى شهرته وبعض النجومية التي صار عليها أخيرا؟ .. ومن غرائب مسألته هذه أن هيئةً غير ذائعة الاسم أناطت بنفسها إصدار فتاوى وطنيةٍ بشأن التطبيع مع إسرائيل من عدمه (مقرّها غزة) رمت الفنان المصري بالتطبيع لغنائه في رام الله، فيما يحسم المنسق العام للجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة، محمود نواجعة، في قوله لـ "العربي الجديد"، إن زيارة حمزة نمرة الضفة الغربية، عبر تصريح دخول (إسرائيلي)، لا تعتبر تطبيعا، بحسب معايير اللجنة العالمية للمقاطعة (BDS). .. وبمعايير أخرى، نعم للتطبيع العربي، الثقافي والفني، الدائم، مع أهل فلسطين ومثقفيها ومغنّيها وفنانيها، سيما وأن سلطة الاحتلال هي التي ترفض هذا التطبيع، بامتناعها غالبا عن إجازة دخول المثقفين العرب، كما فعلت مع ضيوف من 12 دولة عربية كانوا مدعوين إلى ملتقى فلسطين الثاني للرواية العربية.


9 يوليه 2019