الرئيسية| التقارير |تفاصيل الخبر

القضية الفلسطينية في واقع متحول

القضية الفلسطينية في واقع متحول
القضية الفلسطينية في واقع متحول

شفيق ناظم الغبرا


يستمر الاحتلال في فلسطين بممارسة أشكال مختلفة من القمع والتدمير للبنيان الفلسطيني، ومن تعبيراته الفجة توسع الاستيطان ونسف منازل المقاومين والتضيق على فرص العمل ومنع حركة السكان عبر مناطق فلسطين ومناطق الضفة الغربية. هدف الاحتلال لم يتغير، إذ لازال ثابتا في سعيه للحد من استقرار السكان واستقلالهم. لكن الشيء الثابت في الوضع الفلسطيني هو التزامه بمناهضة للاحتلال وسعيه لدحره. ان الاستراتيجية الفلسطينية واضحة المعالم: التمسك بالمنازل والقرى والمناطق والمخيمات وتحدي الجدار والعمل بشكل دؤوب على إرهاق الجيش الاسرائيلي عبر صراع طويل الامد مع رماة الحجارة الفلسطينيين، لكن الهدف الحقيقي البعيد الامد هو نيل الحقوق وتأمين العدالة والعيش الكريم، وهذا يتطلب دحر الظلم الذي تمارسه اسرائيل بحق الفلسطينيين. إن مسيرات العودة وبعض الأعمال الفدائية الجريئة التي تستهدف الاستيطان والتي تهدف لنقل حالة عدم الاستقرار للمستوطنين هو أحد وسائل المقاومة.



وبينما تتصاعد المقاومة يتضح بأن الوعي الشعبي الفلسطيني المقاوم تجاوز المراحل السابقة، لهذا من الصعب ان تشهد المناطق الفلسطينية انتفاضة شاملة على كل الأصعدة وذلك في ظل أوضاع عربية ودولية هشة. و يمكن الاستنتاج بأن المقاومة الفلسطينية تزداد نضجا ومزواجة بين وسائل نضال عدة بما فيها تعظيم المقدرة على الاستمرار في الأنشطة الاقتصادية والمدنية التي تشمل التعليم وكل ما يمس حياة الفلسطينيين. المقاومة الحالية تواجه إسرائيل لكنها لا تتواجه مع السلطة الفلسطينية بصفتها سلطة تحت الاحتلال. فمع معرفة الفلسطينيين بكل نقاط ضعف السلطة الفلسطينية إلا أنهم لن يسمحوا للاحتلال بنقل المواجهة مع الاحتلال لمواجهة بين الفلسطينيين أنفسهم.



ويتضح بأن صفقة القرن، التي وصلت لأعلى مدى في الشهور القليلة الماضية في طريقها للفشل، وذلك لعدة أسباب منها أن القوى الأساسية المتعاملة مع صفقة القرن وعلى الأخص البيت الابيض وصهر الرئيس كوشنر وممثلي الرئيس ترامب محاصرون بالقضايا والاسئلة، والأهم أن البيت الابيض تعامل مع صفقة القرن بصفتها صفقة عقارية ومالية وصفقة تطبيع رسمي واستعانة بالخبرات الأمنية الإسرائيلية لعدد من الأنظمة العربية. الصفقة حسب المقدمات لا تلتفت للناس والحقوق. كانت تلك الصفقة من السلبية انه حتى السلطة الفلسطينية التي تتميز بالمرونة مقابل دولة فلسطينية مستقلة لم تجد المقدرة على مسايرتها.



لقد رفضت صفقة القرن أيضا من قبل سلطة حماس في غزة، كما و رفضتها الفصائل الفلسطينية الأخرى، والسبب في ذلك أن هذه الصفقة لا تخاطب حقوق الفلسطينيين في حياة كريمة على أرضهم، ولا تضمن لهم توقف الاستيطان او انسحاب اسرائيل من جميع اراضي الضفة الغربية المحتلة. بل لا تعد الصفقة بنهاية جدار الفصل العنصري الاسرائيلي، كما ولا تعد بنهاية لحصار غزة، كما انها لا تقدم حلا مقبولا حول القدس بصفتها ارضا فلسطينية وعاصمة الدولة الفلسطينية.



لقد أدى اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول لارباك كل عناصر واطراف صفقة القرن. إذ أضر الاغتيال بالعلاقة الخاصة بين البيت الابيض والمملكة العربية السعودية على أكثر من صعيد، فالعلاقة اصبحت في متناول الصحافة والاعلام مما يضع عليها قيودا لم تكن قائمة في السابق. لقد أدى اغتيال جمال خاشقجي لتوتر واضح بين المؤسسات السيادية الامريكية ومؤسسات الكونغرس والمملكة العربية السعودية، هذا التوتر غير مفيد لصفقة القرن او لاي صفقة، كما أنه يثير عددا من التساؤلات عن مستقبل العلاقة السعودية الامريكية.



وبنفس الوقت اسرائيل في معضلة تزداد عمقا بسبب التغيرات في العالم حول الصهيونية. فالكثير من يهود العالم بدأوا يطرحون الأسئلة عن الدولة الصهيونية والقيم التي تمثلها والطريق الذي اختارته لنفسها. ليس غريبا أن مزيدا من اليهود ينقلبون على الصهيونية ومزيدا من الناس في العالم يرفضون تهم اللاسامية لمجرد نقد إسرائيل والصهيونية.



وبينما تقوم عدد من الدول العربية بالتطبيع المفتوح في مجالات أمنية وسياسية مع إسرائيل دون أدنى التفات لكون إسرائيل تحتل القدس وتهود وتمارس اضطهادا بحق الفلسطينيين نجد بأن الوعي العربي الشعبي يتخذ موقفا مناقضا. فهناك تعبيرات عدة للمجتمعات المدنية مرتبطة بحملة المقاطعة. من لبنان للبحرين ومن الكويت لقطر لمصر وسلطنة عمان والأردن لبقية مجتمعات العالم العربي فالموقف من التطبيع يزداد صلابة في السر وفي العلن. لهذا نجد أنه في كل دولة عربية يتوفر فيها الحد الأدنى من التعبير تتعالى أصوات الناس الناقدة للتنسيق الأمني العربي الإسرائيلي والذي يهدف في جانب أساسي منه للتجسس على مواطنيها ومعارضيها. كل هذه الأبعاد تجعل الصراع العربي الإسرائيلي يدخل في المجال الحيوي للنظام العربي.



القول بأن الإستقرار غير ممكن بلا حل عادل للقضية الفلسطينية أمر حقيقي وصائب. فبعد أكثر من سبعين عاما على النكبة تبقى إسرائيل قلقة من المستقبل وذلك بالرغم من مستوى التطبيع بينها وبين أكثر من دولة عربية، فبالرغم من العلاقات الدبلوماسية مع مصر والأردن والتطبيع(الأمني أيضا) مع عدد آخر من الدول، فإسرائيل لم تعد واضحة حول المستقبل وآفاقه وذلك بسبب تطرف مشروعها وبسبب نمو المتطرفين في قلب كيانها وبسبب وقوفها ضد التحرر العربي. المعادلة واضحة: كلما زادت إسرائيل من اضطهادها للشعوب العربية وكلما تماشت مع نظام عربي يعاني من تناقضات جمة، وكلما قدمت الخدمات الأمنية لأنظمة تخشى من شعوبها، أصبح عمرها الافتراضي في الشرق الاوسط هو الآخر محدودا. لا يوجد أمن بلا عدالة وبلا قيم وأخلاق، فالجشع أصل الظلم والظلم أساس استمرار التمرد.



19 ديسمبر 2018

مقاطعة نشطة

الأكثر قراءة

أخبار ذات صلة