الرئيسية| التقارير |تفاصيل الخبر

سياسة الباب المتحرك: التغيير المستمر في الوجوه يحرر ترامب من القيود ويفرغ السياسة الخارجية

سياسة الباب المتحرك: التغيير المستمر في الوجوه يحرر ترامب من القيود ويفرغ السياسة الخارجية
سياسة الباب المتحرك: التغيير المستمر في الوجوه يحرر ترامب من القيود ويفرغ السياسة الخارجية

إبراهيم درويش


مع كثرة التغريدات التي يصدرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلن فيها عزل مسؤولين في إدارته، بات العاملون في البيت الأبيض يتندرون حول من سيأتي عليه الدور في المرة المقبلة. وذكرت محطات التلفزيون الأمريكية أن الرجل الذي عينه ترامب في المقام الأول ليقوم بوضع حد للفوضى في بيته الأبيض بات في عين العاصفة. وذكرت محطة «سي بي ان سي» أن سلطة جون كيلي بدأت بالتراجع. فالرئيس وإن كان الشخص المسؤول عن البيت الأبيض إلا أن مدير طاقمه كيلي موكل بالحفاظ على النظام داخل أروقته. والقارئ لكتاب مايكل وولف «نار وغضب» يتعرف على الطريقة الفوضوية التي يعيشها ساكن البيت الأبيض والأسلوب الغريزي الذي يسير فيه الأمور وإدمانه على البرامج التلفزيونية وخوفه المرضي من قيام البعض بتسميمه. واكتشف كل الذين عملوا مع الرئيس أنه خارج عن السيطرة. فكيلي الجنرال بأربعة نجوم والذي قاد آلافا من الجنود الأمريكيين وكان وزيرا للأمن الداخلي وجد أن هناك مشكلة في طريقة إدارة البيت الأبيض الذي يعمل فيه ترامب. وأصبحت مهمته في الأيام الماضية الاتصال بالمسؤولين الكبار وإخبارهم أن الرئيس يحضر لهم أمرا كما قيل في شأن ريكس تيلرسون الذي أيقظه في الساعة الثانية صباحا أثناء جولة له في افريقيا وحثه على العودة إلى الولايات المتحدة. وجرى الحديث عن تصرفات ترامب الأخيرة وكثرة الذين استقالوا أو عزلوا في الأسابيع الماضية وكان آخرهم وزير شؤون المحاربين القدماء ديفيد شالكين. فأنصار الرئيس يقولون إنه يريد تشكيل فريق مطواع ينفذ أوامره. وأن الرئيس الذي قضى العام الماضي يتعلم أساليب واشنطن في الحكم بات واثقا من نفسه وجريئا ويبحث عن فريق ينفذ سياساته التي تتمثل في تجفيف «المستنقع» في واشنطن وإعادة تفكيك مؤسسات الحكم في العاصمة بطريقة تتناسب مع رؤيته. ويرى نقاده أن ما يقوم به زاد من ضحالة المستنقع وراكم المشاكل. فكل الشخصيات التي جلبها في العام الأول من حكمه رحلت، من مدير استراتيجياته ستيفن بانون إلى مدير طاقمه رينيس بريبوس وعزله لجيمس كومي، مدير «أف بي أي» الذي غير قراره فتح تحقيق في ايميلات هيلاري كلينتون قبل أيام من الذهاب لصناديق الانتخابات مسار السباق الرئاسي.



يتحرك بسرعة



وترى مجلة «إيكونوميست» (31/3/2018) أن «باب إدارة ترامب المتحرك يدور سريعا، ففي الأسابيع القليلة الماضية عزل الرئيس مستشاره للأمن القومي أتش أر ماكمستر ووزير خارجيته ريكس تيلرسون ومستشاره للشؤون الاقتصادية غاري كوهين الذي استقال بعد قرار ترامب فرض ضريبة على الألمنيوم والفولاذ، وجون دوود، المحامي الأبرز الذي يمثل ترامب في تحقيق روبرت موللر بشأن التدخل الخارجي في الانتخابات. ويبحث ترامب عن خامس مدير للاتصالات بعد استقالة هوب هيكس». ولا شك أن تغييرات متسارعة في صفوف وكادر الإدارة تترك أثرها على طريقة إدارة الحكم وتمنع تشكيل سياسة متماسكة في الأمن الوطني والسياسة الخارجية بل وتفتح بابا أمام فريق جديد همه الأكبر إرضاء نزعات الرئيس السيئة فيما يتعلق بالأمن القومي والتجارة والدفاع القانوني بدلا من الحد منها. وتتوقع المجلة أن تتسم المرحلة المقبلة بعدم التقيد وترامب لا يلتزم بأي شيء. ولو أخذنا عزل ماكمستر، جنرال بثلاث نجوم وعرف بنقده لحرب فيتنام وخبرة طويلة في العسكرية، فقد اختار ترامب بدلا منه شخصية من عتاة اليمين المحافظ، جون بولتون الذي دعم حرب العراق وظل يدعو لضرب إيران وكوريا الشمالية. وقبل اختياره بشهر كتب مقال رأي في صحيفة «وول ستريت جورنال» قدم فيه المبررات التي تجعل ضرب كوريا الشمالية قانونية. وبالسياق نفسه تحدث بولتون عن إيران وضرورة تغيير النظام فيها معربا عن أمله بنهايته قبل احتفاله بمرور 40 عاما على الثورة. ويتوقع المراقبون أن يقوم ترامب في أيار (مايو) المقبل بتدمير الاتفاقية النووية التي عملت عليها إدارة سلفه باراك أوباما ولسنين مع الدول الأخرى للحد من نشاطات إيران النووية. وعليه يفهم اختيار مايك بومبيو، مدير الوكالة المركزية للاستخبارات «سي آي إيه» ليحل محل ريكس تيلرسون، وهو مثل بولتون كاره لإيران وداع لضرب كوريا الشمالية. وهناك سياسة الحماية الاقتصادية التي ظل يدعو لها الرئيس. وترى «إيكونوميست» أن الباحثين في ظاهرة «الترامبية» فرقوا بين تيارين داخل الإدارة «دعاة العولمة» بقيادة كوهين الذي كان مستشارا للشؤون الاقتصادية وتيار القوميين والذي يقوده وزير التجارة ويلبر روس وبيتر نافارو، مدير مجلس التجارة القومي. وقد تنافس المعسكران للسيطرة على نزعات ترامب العقلية ويبدو أن القوميين هم الذين فازوا في الجولة الحالية، فقد أعقب مقترح فرض ضريبة على الفولاذ والألمنيوم مقترح آخر لفرض ضريبة على البضائع الصينية والتي يصل حجم التجارة معها حوالي 60 مليار دولار، بشكل يفتح الباب أمام حرب تجارة واسعة. وكان اختيار ترامب لاري كودلو الذي عمل في إدارة رونالد ريغان ليحل محل كوهين إشارة دعم توجه القوميين، مع أن كودلو من دعاة التجارة الحرة في تعليقاته لكنه يتبنى فكرة الضريبة التي يتم التفاوض عليها.



مذبحة



وبالنسبة لتحقيق روبرت موللر، فقد توسع في الفترة الماضية وشمل شخصيات ودور دول مثل الإمارات والسعودية في تشكيل سياسة ترامب. وبعد تعاون مايكل فلين، أول مستشار للأمن القومي وبول مانفورت، مدير حملته الانتخابية، زادت عصبية الرئيس. وكانت استقالة دوود على خلفية رفض الرئيس نصيحة فريقه القانوني وضرورة تجنب مقابلة شخصية مع موللر. مع أن الرئيس بدأ حملة هجوم على المحقق الخاص وبالاسم في تغريداته، بالطريقة التي يقوم بها شون هانيتي، من «فوكس نيوز». وذكر أصدقاء الرئيس أنه فكر في الصيف بعزل موللر بشكل دعا مستشار البيت الأبيض دونالد ماغاهان التهديد بالاستقالة. ومن أجل التخلص من موللر، على ترامب عزل نائب وزير العدل رود روزنستين والذي قدم شهادة أمام الكونغرس قال فيها أن لا داعي في الوقت الحالي لعزل موللر. ولو فعل فستكون النتائج كارثية تماما مثل «المذبحة» التي عملها ريتشارد نيكسون وأدت لخروجه من الرئاسة. وحذرت فئة قليلة من الجمهوريين الذين لا يريدون الترشح من جديد ترامب قائلين إن عملا كهذا سيضر بإدارته. ورغم ذلك فالدعم لترامب في قاعدته لم يتغير. وكما لا حظ بوب كوركر، سناتور تينسي فدعم الناخبين الجمهوريين للرئيس «أكثر من قوي وهو ذا طابع قبلي» و «يريدون معرفة إن كنت مع الرئيس أو ضده». وعلى العموم فباب الإدارة لا يزال مفتوحا وهناك خروج متوقع لجيف سيسشنز الذي أغضب ترامب عندما أخرج نفسه من تحقيق موللر. وتعرض في الفترة الماضية لسلسلة من الإهانات كتلك التي تعرض لها تيلرسون وماكمستر قبل عزلهما. ويطمح مدير وكالة البيئة سكوت برويت لتولي منصب سيسشنز. وتداولت الصحافة والتسريبات أسماء مثل بيتسي دي فوس، وزيرة التعليم التي لم تعجب أنصار الرئيس في مقابلتين تلفزيونيتين وبن كارسون، وزير الإسكان بسبب قراره فرش الوزارة وشراء أثاث مكلف. ويواجه الجمهوريون هذا العام الانتخابات النصفية وهم في مزاج دفاعي وعلى ما يبدو فالبيت الأبيض لا يرغب أن يدفع باتجاه تشريعات جديدة وسيكتفي بالتأكيد على سياسة الإصلاح الضريبي. وسيعود ترامب إلى أسلوب التجمعات الشعبية والحديث عن أجندته القومية والترويج لقراره الأخير فرض الضريبة على الفولاذ والألمنيوم. وقد اكتشف ترامب بعد عام أنه يحكم بطريقة جيدة إن اتبع حدسه وانفعالاته أكثر من استماعه لنصائح مستشاريه. وقد يكون هذا المدخل من الناحية السياسية فاعلا في الداخل، فحسب استطلاع أخير أجرته محطة «سي أن أن» فقد ارتفعت شعبيته إلى 42 في المئة ولكنها تظل متدنية مقارنة مع الرؤساء السابقين في المرحلة نفسها من الرئاسة.



الحرب المقبلة



ماذا يعني وجود بومبيو وبولتون بالإضافة لمديرة «سي آي إي» الجديدة جينا هاسبل في قلب قرارات السياسة الخارجية؟ فوجود هؤلاء مدعاة للخوف من عودة التعذيب الذي أشرفت عليه هاسبل في فترة جورج دبليو بوش والحرب التي يحب بولتون النظر إليها من بعد طالما قاتل فيها أبناء الآخرين. وكما لاحظ الأستاذ بجامعة هارفارد ستيفن وولت، بمقال على موقع «فورين بوليسي» (23/3/2018) فنحن أمام إدارة تشبه فكرة ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي بوش للحكم. ويعتقد أن تعيين بولتون يتناسب مع رؤية ترامب للسياسة الخارجية التي تعلن الحروب الكلامية ولا تفهم تعقيدات الدبلوماسية. ويشير إلى أن الرئيس لم يتعلم من أخطائه السابقة. وبالتأكيد سيقوم بولتون بمهاجمة أصدقاء أمريكا في وقت عمل فيه ماكمستر وتيلرسون على الحد من أضرار سياسات الرئيس. ويعتقد وولت أن تعيين الثلاثي الجديد ليس بالضرورة عودة لشعار الحملة الانتخابية «أمريكا أولا» خاصة أن عامه الأول في الحكم كشف عن تورط أمريكي أوسع في حروب المنطقة من سوريا إلى أفغانستان وافريقيا. واتسم بزيادة الانفاق الدفاعي والهجوم على الحلفاء الذين لا يقومون بواجبهم وتصعيد اللهجة الحربية ضد إيران وكوريا الشمالية.



وبهذه المثابة فشعار «أمريكا أولا» ليس إلا شماعة يخفي وراءها رؤيته عن دور أمريكا في العالم تماما كما تعامل تشيني أو «التشينية» مع السياسة الخارجية بازدراء المؤسسات الدولية وعدم اهتمام بالدبلوماسية وإشعال الحروب الخارجية والإيمان بقوة أمريكا وأن حل مشاكل العالم يتم بالتفجير وزيادة القوات كما فعل في أفغانستان. ويناقش وولت مواقف وأفكار بولتون تحديدا وأنها ليست خارجة عن التيار الرئيسي في السياسة الخارجية، فدعمه مثلا لحرب العراق أو ضرب إيران وكوريا الشمالية لا تجعله خطرا، فهناك شخصيات مؤثرة في الكونغرس ومؤسسات الحكم دعمت ودعت للتعامل مع ما تراه تهديدات خارجية. كما أن كره بولتون للإسلام وشكه بالمؤسسات الدولية لا تجعله شخصية استثنائية. ويقول وولت إنه لا يحاول «تطبيع» مواقف بولتون بقدر ما يريد منا التساؤل عن ماهية النظام السياسي الذي يسمح له ولأمثاله الوصول إلى مناصب عليا. فالمشكلة ليست بولتون الذي دعم حروبا كارثية ولكن النظام.



تهديد وتنازل



وهو الذي يقوم ترامب بإساءة استخدامه كما يقول فريد زكريا بمقاله في «واشنطن بوست» (29/3/2018). فعلى خلاف أسلافه الذين كانوا يفكرون قبل إطلاق التهديدات، يتقن ترامب إصدار التهديدات ليعود ويبتلع ما قال. فعندما هدد بالاعتراف بتايوان، ردت الصين بتجميد العلاقة مع واشنطن، ليعود ويستقبل الرئيس الصيني شي جينبنغ بالأحضان. وفي حملته الانتخابية هاجم السعودية التي «تريد استعباد المرأة وتقتل المثليين» ليختارها كمحطة أولى في زيارته الخارجية. وفي كوريا الشمالية هدد ترامب كيم جونغ- أون بإمطاره بالحديد والنار ليوافق على مقابلته. ولم يكن كيم هو الذي تنازل بل ترامب. وحتى عندما تحدث عن تنازلات كوريا الشمالية في شأن التجارة، فهي تنازلات رمزية لا تغير من واقع تجارة السيارات الكورية في أمريكا. ويرى زكريا أن كون أمريكا دولة عظمى،ش فإن الحلفاء عادة ما يحاولون التكيف مع مطالبها. والتكيف ليس علامة قوة بل إساءة استخدام لها كما فعل جورج دبليو بوش عندما أجبر مجموعة من الدول على دعم غزو العراق. وكل هذا سيقود إلى سخط ومحاولة للبحث عن طرق للعمل خارج نظام أمريكا. ويرى زكريا أن أمريكا بنت مصداقيتها ورأسمالها السياسي عبر القرن الماضي وحققت موقعها في العالم ليأتي ترامب ومن معه بالهجوم على «الأمانة» ونهبها في وقت سريع لتحقيق مصالح آنية وبطريقة ستفرغها تماما.



31 مارس 2018

مقاطعة نشطة

الأكثر قراءة

أخبار ذات صلة