نهاية ديسمبر كانون الأول الماضي، بدأت ما تُسمى "اللجنة المحلية للتنظيم والبناء" في بلدية الاحتلال بالقدس العمل على تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع القطار الخفيف، وذلك لربط مدينة القدس المحتلة، شرقها وغربها، بشبكة من المواصلات الخاصة في كيان الاحتلال، وتقطيع الأحياء المقدسية وفصلها عن بعضها، ما يعني تعذر القدس من أن تكون عاصمة فلسطين مستقبلًا.
وتعتبر بلدية الاحتلال في القدس المشروع أحد أهم المشاريع التي تربط شبكة المواصلات الخاصة بالقدس بكافة أرجاء الأراضي المحتلة عبر القطارين “الخفيف” والكبير، بحيث سيتم ربط القدس بمدن يافا، حيفا وتل ابيب، وفي الوقت ذاته سيتم ربط المستوطنات المقامة بالقدس ببعضها البعض.
وينقسم المشروع لثلاث مراحل، الأولى تم الانتهاء منها قبل عشر سنوات، وهي تبدأ من منطقة شعفاط حتى الجزء الغربي من القدس بالقرب من "عين كارم"، والمرحلة الثانية هي الحالية وتبدأ من بلدة العيسوية ومستوطنة "التلة الفرنسية" وقرب الجامعة العبرية، وصولًا للجزء الغربي من القدس مرورًا في منطقة "تلبيوت" الصناعية إلى بيت صفافا وحتى مستوطنة "جيلو" جنوب غرب المدينة.
وأخيرًا المرحلة الثالثة التي تسمى بـ "الخط البني"، ستبدأ من صور باهر وجبل المكبر جنوبًا مرورًا في بلدة سلوان وراس العامود والشيخ جراح وحتى بيت حنينا و"عطاروت" شمالًا، وسيتخللها أيضًا الاستيلاء على آلاف الدونمات والمنازل.
الهدف؟
تنفيذ مشروع القطار الخفيف في القدس له أهداف إستراتيجية وليس تطوير البنية التحتية للمواصلات والحركة والمرور، بل يعد أحد مشاريع الاحتلال المنطوية تحت أهداف سياسية عميقة.
كما أن الاحتلال غير حريص على تطوير البنية التحتية للأحياء العربية المحطمة، لكنه يُريد من هذا المشروع تحديدًا إلغاء إمكانية فصل الأحياء العربية عن اليهودية، وإذابة المسافات والمساحات البينية لتختفي تمامًا، كما سبق وأخفى حدود الأراضي المحتلة، وهكذا يُريد أيضًا لحدود 1976، وذلك بحسب تصريحات للخبير في شؤون القدس جمال عمرو، أدلى بها لموقع "القسطل".
ويأتي ذلك لفرض ما يسمى مشروع "القدس الموحدة، وأنها العاصمة الأبدية لليهود"، لذلك تبدأ مشاريعها التهويدية من الشطر الشرقي للمدينة لربطها بشطرها الغربي حتى لا يكون هناك أي فصل بينهما.
ويسعى الاحتلال، من خلال البنية التحتية الجديدة، لدمج عدد من المستوطنات التي لا تقع ضمن حدود بلدية الاحتلال في القدس وربطها مع المدينة المقدسة، وبالتالي يكون الاحتلال قد حقّق اختراقًا ديمغرافيًا وحوّل الفلسطينيين هناك إلى أقلية.
وبحلول عام 2023 سيكون ثاني خط سكة حديد خفيف جاهز للعمل في القدس، بحيث سيتم إضافته إلى الخط الذي يعمل في المدينة منذ عام 2011، وبالتالي سيتم الربط بين مستوطنة “التلة الفرنسية” وحرم “الجامعة العبرية” في الشمال، وينتهي في “جيلو” جنوبًا، وستقام 47 محطة لهذا القطار الذي سيمتد على مسافة 20.2 كم.
التأثير الحالي
تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع "القطار الخفيف" سيؤدي إلى تقسيم الأحياء العربية المقدسية، وتغيير وجه المدينة، ومصادرة آلاف الدونمات من أراضي المواطنين ومنازلهم، خاصة في العيسوية وبيت صفافا وكثير من الأحياء، وكذلك اختراق هذا الخط للشوارع الرئيسة في المدينة.
وسيؤثر هذا بشكل مباشر على شركات المواصلات العربية في القدس، التي يعمل بها آلاف المقدسيين، وعلى حركة السير، وربما يؤدي إلى توقف عملها، مما يزيد من خنق الاقتصاد المقدسي، بحسب ما أفاد الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب، لوكالة صفا.
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية والمستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية أسامة شعث: إن "مشروع القطار الخفيف الذي بدأت حكومة الاحتلال في تنفيذه داخل القدس المحتلة هو مخطط استيطاني تهويدي لمدينة القدس المحتلة، ويهدف بلا شك لتكريس سياسة الأمر الواقع في القدس المحتلة".
وبيّن شعث أن "هناك عمليات تهويد واستيطان ومصادرة للأراضي ونهب خيراتها قامت بها سلطات الاحتلال بوتيرة متسارعة جدا في الأيام الأخيرة وذلك قبل أن يغادر ترامب البيت الأبيض في غضون الأيام القادمة".
وتابع: "هذا المخطط والمخططات الاستيطانية الأخرى تعد انتهاكا صارخا للقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية وآخرها قرار 2334/2016".
دور شركة CAF
نشرت الأمم المتحدة قاعدة البيانات بالشركات الضالعة في مشروع الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني في فبراير 2020، على أن يتم تحديثها سنويًا من قبل مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
وضمت قاعدة البيانات 112 شركة إسرائيلية وشركات متعددة الجنسيات، بما في ذلك شركة “شابير”، الشريك الإسرائيلي لشركة كاف "CAF" الباسكية في مشروع قطار القدس الخفيف.
وتدعم شركة CAF تطوير وإنشاء قطار خفيف في القدس لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وبذلك تعمل على ترسيخ المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية على الأراضي الفلسطينية المسروقة.
يذكر أنه تم اختيار الشركة الإسبانية (CAF) وشركة البنية التحتية الإسرائيلية Shapir من قبل وزارة المالية الإسرائيلية، من أجل توسيع شبكة السكك الحديدية التي تخدم المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والمعروفة باسم (JLR).
ويُخالف مشروع (JLR) القانون الدولي لأنه يعزز قبضة الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية المحتلة، ومن خلال المشاركة في المشروع تُساهم (CAF) في انتهاكات الاحتلال الخطيرة للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
وفازت الشركتان بعقد قيمته 1.8 مليار دولار لتوسيع السكك الحديدية لتشمل المزيد من المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، وخاصة في شرق القدس، ولتعزيز روابط النقل بين تلك المستوطنات والقدس الغربية.