هيئة الأمم المتحدة للمرأة: نفاقٌ وازدواجية معايير
منذ 7 أكتوبر، لعبت هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women)، دورًا محوريًا في استغلال قضايا النساء والفئات الجندرية المهمَّشة خصوصًا، ومفهوم النوع الاجتماعي عمومًا، لتبرير عمليات التطهير العرقي التي ترتكبها "إسرائيل"، ومنحها الحجة النسوية لشرعنة إبادتها الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة.
كيف تبّنت هيئة الأمم المتحدة للمرأة رواية الاحتلال؟
في الأسبوع الأول لانطلاق طوفان الأقصى، نشرت الهيئة بيانًا أدانت فيه "الهجمات على المدنيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة"، معبّرةً عن "قلقها البالغ إزاء الأثر المدمِّر على المدنيين، بما في ذلك النساء والفتيات". دون التطرّق إلى غزّة والحرب الشعواء التي شنّتها "إسرائيل" منذ ذلك الحين ضد مدنيي القطاع.
وفي انحيازٍ واضحٍ للعدو، جدَّدت الهيئة دعوة "جميع الأطراف لضمان سلامة المدنيين والبنية التحتية المدنية"، مدعيةً "ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، والالتزام بهما". كذلك دون ذكر الانتهاكات الصارخة المرتكبة من قبل الاحتلال في هذا الخصوص.
وبعد أكثر من 50 يوم على بدء العدوان، خرجت الهيئة الأممية عن صمتها مرة جديدة في بيانٍ مجحفٍ، أعلنت فيه عن نيّتها الانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لجمع معلوماتٍ حول مزاعم الاعتداء الجنسي على المستوطنات الإسرائيليات في خضم انطلاق عملية طوفان الأقصى.
وفي البيان، ساوت "يو أن وومن" بين النساء الفلسطينيات صاحبات الأرض مستَعمرات، والإسرائيليات مستوطِناتٍ ومجنّداتٍ مستعمِرات، دون الأخذ بعين الاعتبار موازين القوّة بين الطرفين.
أما بعد 100 يوم على الإبادة، وصلت تصريحات هيئة الأمم المتحدة للمرأة، على لسان مديرتها التنفيذية، سيما باهوس، حد الشراكة مع الاحتلال في جريمة الإبادة الجماعية، في بيانٍ آخر أدانت فيه هذه المرّة المقاومة الفلسطينية بشكلٍ صريح دون التلطّي وراء التلميحات. (1)
كيف تفاعلت نسويات المنطقة مع البيانات المخزية؟
بينما استخفّت هيئة الأمم المتحدة للمرأة بقضية الشعب الفلسطيني التاريخية، وتحيّزت ضدّه باللغة المستخدمة في بياناتها، لاقت الأخيرة ردود فعل غاضبة من كثيراتٍ على مستوى العالم العربي، إذ أعلنت عدّة منظمات نسوية فلسطينية وأردنية ولبنانية، مقاطعتها للهيئة، وذلك لانتهازيتها في استخدام مفهوم العنف القائم على النوع الاجتماعي في سبيل إضفاء الشرعية على الإبادة والتحيّز ضد الفلسطينيات والفلسطينيين.
ونشرت مجموعة "تقاطعات"، ردًا على الهيئة قالت فيه إن الأخيرة "تُشكّل غطاءً للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه"، وأن "تفكيك علاقتنا مع الأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة، والتصدّي لمحاولاتها سرقة سردياتنا وحاضرنا وتاريخنا والضغط بما نملك من أدوات للتراجع والاعتذار عن هذه المواقف المخزية، هو واجبٌ أخلاقيّ".
وذكّرت المجموعة النسوية الفاعلة في الأردن بمواقفٍ عديدة سابقة اتخذتها الهيئة على خلفية جرائمٍ ارتكبتها "إسرائيل" ضد فلسطينيات وفلسطينيين، مثل اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، وادّعائها "الموضوعية" باستخدام لغة المبني للمجهول في البيانات الاستنكارية دون تسمية القاتل عندما يتعلّق الأمر بالاحتلال، فيما لا تفوّت فرصةً في المقابل لذكر حماس بجرائمٍ مزعومةٍ لا دليل عليها مثل كذبة الاغتصاب الجماعي. (2)
من جانبها، أكدت منصة "شريكة ولكن" النسوية، أن هيئة الأمم المتحدة للمرأة تتعمّد تجريد الرجال الفلسطينيين من إنسانيتهم، من خلال شيطنة المقاومين، بوصفهن في عبارات مثل "الهجمات الوحشية التي شنتها حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر".
وشددت المنصّة الناشطة في البلدان الناطقة بالعربية على أن "هذا الخطاب يُمثّل أداةً استعمارية لشيطنة حركات المقاومة التحرّرية، حيث يركّز بشكلٍ ممنهج على ادعاءات جرائم عنف مبنية على النوع الاجتماعي ارتكبها فلسطينيون، فيما يتجاهل عمدًا معاناة النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال الصهيوني لعقود، والذي ظهر بفجاجة خلال العدوان الأخير خصوصًا في جرائم الإبادة الإنجابية". (3)
بمناسبة اليوم العالمي للنساء 2024، أعلنت الحركات النسوية في المنطقة عن إضرابٍ عالمي من أجل غزة، سيتم ترجمته في عدّة تحرّكاتٍ على مدار يوم الثامن من مارس.
ومن نساء القطاع إلى القوى النسوية والثورية في العالم، أصدرت 5 منظّمات نسوية في فلسطين والأردن ولبنان والصحراء الغربية، من بينها "نحو وعي نسوي" و"تقاطعات" و"حركة نون النسوية"، بيانًا حشدت فيه لـ"تصعيد سلسلة الحراكات الساعية إلى وقف حرب الإبادة على غزة، واستمرارية النضال من أجل الحريّة وتقرير المصير والشروع في تصفية المشروع الاستعماري في المنطقة". بدءًا من الاحتجاج أمام مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في بيروت، اعتراضًا على مواقفها من الإبادة وبياناتها المخزية وتبريراتها لجرائم الاحتلال. (4)
ووفقًا لبيانٍ صادرٍ عن حركتيّ "جبهة فلسطين حرّة" و"المسيرة العالمية للنساء"، فإن "هذه الوكالة ما هي إلا أداة تحمي المصالح الرأسمالية والإمبريالية البيضاء والليبرالية من خلال سياساتها وعملياتها ومواقفها بإسم النسوية، وتساهم بشكلٍ فعّال في قمع النساء والاعتداء عليهن وقتلهن في غزة وكل فلسطين".
جميع الجهات المذكورة أعلاه دعت كذلك إلى الاحتجاج والاعتصام عالميًا، والامتناع عن الشراء وممارسة النشاطات اليومية التي تدر أموالًا على النظام الاقتصادي، لتكثيف الجهود الساعية إلى المقاطعة ومنع إمدادات الأسلحة والبضائع للكيان الصهيوني وتعطيلها.
كما ناشدت بأخذ زمام المبادرة وإن كان بمُشاركة المنصات مع أصوات الغزّويات والغزّويين، أو على الأقل بالتدوين والكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر التغريدات والمناشير والصور التي تحمل رسائل تضامنية مع القطاع.
وقالت إن "الثامن من آذار يُمثّل مناسبة ثورية حقيقية يُمكن فيها مواجهة الأنظمة التي تضطهد النساء وقضاياهن المتقاطعة، كما يُشكّل تحديًا حقيقيًا أمام النسوية الأممية المناهضة للاستعمار، ويختبر مدى صدق خطاباتها والتزامها بتحويل النظرية إلى ممارسة، والفعل السياسي إلى سلاح ضد هذه الأنظمة". (5)
وأضافت في بيانٍ آخر: "بالرغم من دعم الحراكات النسوية الراديكالية غزّة ونسائها، نجد النسوية البيضاء -الأقوى عالميًا لاستحواذها على الامتيازات والصوت الأعلى- في أحسن الأحوال صامتة أمام ما يجري، أو مسوّقة لأكاذيب الاحتلال الإسرائيلي حول اغتصاب المجنّدات. في المقابل، نجدها غائبة تمامًا عن المعلومات المُثبتة حول اغتصاب الاحتلال للأسيرات والتعدّي على الغزّويات النازحات والتحرّش بهن، بالإضافة إلى قتلهن وتعذيبهن". (6)
وفي تونس، أطلقت مجموعة "النسويّات المناهضات للاستعمار" دعوةً للمشاركة في مسيرةٍ حاشدة يوم 8 مارس، تلبيةً لدعوة الإضراب الأممي العالمي من أجل غزة، واحتجاجًا على استمرار جرائم إبادة الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال الصهيوني.
وتحت شعار من "نسويّات الجنوب إلى غزّة المقاومة"، أشارت 8 منظمات نسوية تونسية، بينها "نسويّات من أجل فلسطين" و"الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" و"جمعية دمج للعدالة والمساواة" و"الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني"، إلى أن هذا اليوم سيكون مناسبة لتصعيد سلسلة التحركات الداعمة للمقاومة الفلسطينية، بدءًا بالمقاطعة والوقفات والمسيرات ضد الأنظمة التي تضطهد النّساء وقضاياهن وعلى رأسها القضية الفلسطينية. (7)