الرئيسية| بوستر |تفاصيل الخبر

مبادرة السلام العربية.. صنم العجوة الذي أكله المطبّعون

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في الثامن والعشرين من مارس عام 2002، تمخضت القمة العربية التي انعقدت في بيروت في ذروة سنوات الانتفاضة الفلسطينية، عن تقديم ولي العهد السعودي في حينه، الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ما عُرف بـ “مبادرة السلام العربية” التي تلزم الاحتلال بتنفيذ جملة من الشروط منها الانسحاب من الأراضي المحتلة وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية وغيرها كشرط لتطبيع العلاقات الرسمية العربية مع كيان الاحتلال، وإنهاء حالة العداء والحرب إلى الأبد.

وجاء في بيان إعلان المبادرة في حينه: “وانطلاقا من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف، فقد طالب مجلس الجامعة من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي”.

رفضت “إسرائيل” بيمينها ويسارها، وعلى لسان الهالكين شارون وبيريز التعاطي مع هذه المبادرة من أساسها، قائلة أن العرب ليس من حقهم إملاء الشروط وأن أكثر ما يمكن أن يقدمه كيان الاحتلال كرد على هذه المبادرة، هو الجلوس للتفاوض حولها.

بعد ساعات من طرح المبادرة التي حظيت بإجماع عربي كامل، تحركت أرتال دبابات جيش الاحتلال لاجتياح مدن الضفة الغربية بالكامل، وأمعنت تدميرًا وقتلًا وقصفًا في جميع المدن والمخيمات والقرى من نابلس وجنين إلى بيت لحم، وكان مقر الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات في مدينة رام الله - والذي لم يتمكن من حضور القمة العربية في حينه وألغي عرض كلمته للقمة عبر الفيديو - على رأس أهداف هذا العدوان الدموي الذي امتد لشهور وعرف بـ “عملية السور الواقي”.

لسنوات طويلة، ظلت الدول العربية تتمسك بـ “مبادرة السلام العربية” كشرط وحيد لقبول التطبيع العلني مع الاحتلال، لكن العلاقات والصفقات والاتصالات السرية ومن تحت الطاولة استمرت قبل وبعد طرح هذه المبادرة التي ولدت ميتة.

في سبتمبر 2020، فاجئت الإمارات الشعوب والدول العربية بإعلانها توقيع “اتفاق سلام” مع كيان الإبادة الجماعية، ولحقت بها بعد أيام البحرين ثم المغرب والسودان، في سلسلة اتفاقيات تطبيعية عُرفت باسم “اتفاقيات أبراهام” قادها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وهندسها صهره ومستشاره الصهيوني جاريد كوشنير.

شكلت “اتفاقيات أبراهام” طوفان تطبيع وقح اجتاح المنطقة العربية، وفتح الباب على مصراعيه لمناقشة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، وما عرف في حينه بـ “صفقة القرن” وتهافتت الإمارات ونظامها للارتماء في أحضاء “إسرائيل” بشكل فج ممجوج لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقات السياسية منذ بدء الخليقة.

وبعد أن دفعت مصر ثمن تطبيعها في “كامب ديفيد” قطيعة وعقوبات عربية لسنوات، ومرت أوسلو ووادي عربة في ظل مشهد سياسي إقليمي وعربي تاه في ظلال حرب الخليج وما أعقبها، وتغيير وجه المنطقة بانهيار الاتحاد السوفيتي، ظلت الأنظمة العربية الأخرى محجمة عن التقدم خطوة نحو “إسرائيل” بل إن عددا منها مثل المغرب وموريتانيا تراجع عن مشاريعه التطبيعية بعد انفجار انتفاضة الأقصى، وجاءت مبادرة السلام العربية، كشرط عربي وحيد للتطبيع، لن تقبله “إسرائيل” بأي حال من الأحوال لتضمنه ما أسماه شارون في حينه “خطوطًا حمراء”.

اليوم وبعد 22 عامًا على مبادرة السلام العربية، الصنم الذي عبدته الأنظمة العربية، ثم أكلته وتسابقت للتطبيع، يبقى السؤال عن موقف الدولة العربية الكبرى التي طرحت المبادرة عام 2002، وظلت ملتزمة بها شرطًا وحيدًا للتطبيع، وهنا نتحدث عن المملكة العربية السعودية، التي تعاقب عليها ثلاثة ملوك منذ قمة بيروت، وأصبحت اليوم خاضعة في قبضة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان آل سعود.

كان محمد بن سلمان عين مشاريع التطبيع القادمة، والصيد الثمين المرتقب للإدارة الأمريكية، بجلب السعودية وما تمثله من حضور عربي وإسلامي وإقليمي، إلى حظيرة التطبيع، لكن رياح طوفان الأقصى جرت بما لا تشتهي سفن البيت الأبيض، ورئيسه المجرم الخرف الذي اعترف مرارًا بأن هجوم السابع من أكتوبر، عرقل مشاريع التطبيع التي كانت تجري على قدم وساق مع السعودية.

لم تخف السعودية أو تتهرب من كونها تخوض نقاشًا ومفاوضات مع الإدارة الأمريكية حول التطبيع، ولم يكن الخلاف فيما هو معلن عنه على “فكرة التطبيع” ذاتها، بقدر ما كان على الأثمان التي يجب أن تنالها السعودية بكل ما تمثل لتقدم على هذه الخطوة، والتي واصلت التمسك في تصريحات مسؤوليها الرسميين بمطلب “إقامة الدولة الفلسطينية” كشرط لقبول التطبيع.

يبدو عنوان “إقامة الدولة الفلسطينية” براقًا ولامعًا، ولم تخجل زمرة المقاطعة وحكامها في رام الله، من التسابق لممارسة دور السمسار في صفقة التطبيع السعودية المرتقبة قبل الطوفان والتلصص على هذه المائدة بحثًا عن قطعة عظم أو مكتسب عابر، لكن هذه الدولة فيما نذكر، لم تكن سوى شرط واحد من جملة شروط وضعتها السعودية ذاتها وألزمت نفسها والعرب بها قبل عقود لقبول التطبيع، شروط ليس أقلها عودة اللاجئين والانسحاب من القدس والضفة والجولان… فهل تتخيلون!

 

المصدر:

  • مقاطعة

مقاطعة نشطة

الأكثر قراءة

أخبار ذات صلة