محمد أمين
10 مارس 2019
لم يكن أي عربي يتصور يوماً أن تتحقق نبوءة ناجي العلي أن تصبح "الخيانة وجهة نظر". ولعل السؤال اليوم، لو كان ناجي على قيد الحياة فماذا كان سيكون رسمه الكاريكاتيري عن ذلك المشهد السوريالي، الذي وقف فيه مندوب العربية السعودية في اجتماع في عمّان لممثلي البرلمانات العربية، أي مندوب البلد قبلة الإسلام والمسلمين، معترضاً على تجريم التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ مطالباً زملاءه ممثلي البرلمانات العربية بعدم إدراج هذا البند في بيان مؤتمرهم؟ هل كان هذا حلماً أم علماً؟
ثلاث نقاط بالغة الأهمية ينبغي الالتفات إليها في تلك الواقعة: الأولى دلالات هذا التحول الخطير في موقف الرياض التقليدي تجاه القضية الفلسطينية، الذي تحول من داعم لفلسطين وقضيتها شعبياً ورسمياً، معتبراً المسجد الأقصى أحد أركان الدين قبل السياسة، إلى عرّاب للتطبيع مع المحتل، من خلال تشويه صورة المقاومة الفلسطينية والفلسطينيين عبر إعلام منعدم الضمير والثقافة قبل المهنية، يلقى للأسف مباركة العهد الجديد في السعودية. الثاني بالغ الأهمية، الموقف الصلب لرئيسي مجلسي النواب الأردني والأمة الكويتي، عاطف الطراونة ومرزوق الغانم، فالمملكة الأردنية ودولة الكويت، على الرغم من كل الضغوط صمدتا، ويجب القول إنهما باتتا معبّرتين عن الضمير الشعبي العربي الذي يحاول رئيس مجلس الشورى السعودي، عبد الله آل الشيخ، الذي يرأس قريبُه هيئة الترفيه، الترفيه الذي بات برنامجاً سياسياً للعهد الجديد تتراجع أمامه الأولويات الأخرى في العربية السعودية. الثالث أن قضية فلسطين هي ركيزة في الوعي الشعبي العربي، وأن محاولات الأنظمة تجريف الذاكرة العربية ستبوء بالفشل. وهذا باعتراف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي قال إنّ الزعماء العرب ليسوا عائقاً أمام توسيع علاقات إسرائيل مع جيرانها من الدول العربية، وإنما الحاجز الذي تصطدم فيه إسرائيل وتخشاه دائماً هو الشعوب العربية والرأي العام العربي. واعتبر نتنياهو، في كلمة سابقة له أمام الكنيست (البرلمان) الصهيوني، أنّ "العقبة الكبرى أمام توسيع السلام لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائد في الشارع العربي".
عملية الهرولة الرسمية الحالية تجاه إسرائيل ظاهرة لم تفضِ إلى شيء، وإنما تعكس سياسات مراهقة تنمّ عن ضعف الخبرة السياسية للقادة الجدد في المنطقة، وضحالة ثقافتهم، لأن قراءةً سريعةً للتاريخ ستكشف لهم أن كل من راهن على إسرائيل ورضاها رحل من دون أن تتمكّن تل أبيب من حمايته. ومن المستغرب استمرار حكام عرب في الاعتقاد أن شرعية الحكم تُستقى من الخارج، فضلاً عن أن تستجلب من إسرائيل.
وأخيراً، على الشعوب العربية أن تعيد وتردد ما قاله رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم: "مجرد الحديث عن التطبيع والتسويق لهذا الموضوع يجب أن نصنفه في خانة الحرام السياسي والممنوع الأخلاقي". وأن نقول بصوت واحد: لا للتطبيع مع محتل، مع قتلة الأطفال ومغتصب الأرض، لا للتطبيع لا للتطبيع، لأنه عنوان فاضح للاستسلام والخنوع.