شرف الكبسي
في أرض تحظى بالقداسة والوجاهة الدينية للمسلمين لما لها من مكانة شريفة ببعثة سيد المرسلين، وخصت بالبلد الأمين، ونالت شرف التنزيل، ورسمت فيها قبلة المسلمين، تجد أنه لمن المؤسف حق الأسف أن تجد زعيماً أو زعماء عربا، يعلنون الولاء سراً أو علناً لمن يقتل أبناء جلدتنا، ويطبعون مع عدونا، في زمن كشفت فيه الأقنعة، وأزيلت فيه كل الأوهام والشكوك، وتبين لهم الخيط الأبيض من الأسود من النفاق والغدر الجبان.
ثم تبعه سيناريو آخر برعاية وتأييد بعض من الزعماء العرب تحت ما يسمى "صفقة القرن"، مبررين زعمهم بالتعايش والسلام مع من يقتل الطفل والمرأة والشيخ، ومع من يقتحم المنازل ويعتقل ويختطف الفلسطينيين أمام مرأى ومسمع العالم.
بل تعدى في اللامبالاة باستفزاز مشاعر ملايين المتابعين من العرب والمسلمين دون مراعاة حرمة شهر رمضان الفضيل بخنجره المسموم درامياً، حيث لاقى جدلاً واسعاً وانتقادات بحق مسلسلين (أم هارون- مخرج 7) وقد وصفا بالتطبيع مع الكهيان الصهيوني، والخروج عن المهنية وراء مقاصد تنافي أخلاق المسلمين في أرجاء المعمورة، حيث يصور المخرج المرأة اليهودية -أم هارون- بأنها طيبة، وأن الفلسطيني شرير ناكر للجميل كما في الثاني، بل إن المسلسل بذاته لم يتضمن دعوة صريحة فحسب بل زيف التاريخ، ورسم في نظر المشاهد مدى شيطنة الفلسطيني صاحب الحق والقضية، واتهامه بالتنكر للدعم العربي، وتمجيداً للكيان الصهيوني وعده صديقاً، وإيهام أبنائنا وأجيالنا القادمة أن القضية الفلسطينة ليست إلا قضية سياسة، وأن الكيان الصهيوني يؤمن بالسلام والتعايش مع الآخرين متغافلين عما هو حاصل حتى اليوم.
ولكننا نقول إن الجهل بحقيقة القضية الفلسطينية جهل بحرمة الدم وصيانة العرض والمال، ومن يجهل ذلك فهو يجهل تاريخ أمة وحضارة خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، متناسين أن الوضع يختلف فيما يخص وجود الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي على حساب دم وأرض ترابها الفلسطيني، وعلى حساب أمن العرب القومي، ولقد فرضت دولة الاحتلال واقع وجودها بالقوة وبدعم من القوى الكبرى، والتاريخ شاهد على ذلك بعد أن أتوا كمهاجرين على شكل تجمعات، حيث استندوا على القوى الكبرى في غفلة من التاريخ وضمير الإنسانية مراهنين على بقائهم وإنشاء دولتهم المزعومة وعاصمتها القدس الشريف.
وللعلم صديقي القارئ الكريم، فإن التطبيع لا يقتصر مفهومه على تجاهل الحرب القائمة والاحتلال الهمجي ومنح مبدأ الأحقية للكيان الصهيوني فحسب، وإنما التطبيع يعني جعل ما هو غير طبيعي طبيعياً، ولا يعني بالضرورة إعادة الأمور إلى طبيعتها كما يذهب إليه البعض، وإيهام الآخرين بأن قضية الشعب الفلسطيني عبث وضياع وقت وراء طريق لا نهاية له.
لذا يجب على كل فرد ينتمي إلى الأمة أن يدرك خطورة التطبيع مع العدو الظالم، وحرمة ذلك؛ لأنه إقرار على ظلمة، وهذا بين في كتاب الله "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة". (الممتحنة). وقوله "رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين". (القصص).
لقد تغافل المسلسل ومن يرعاه عن أن هناك مستوطنات صارت تحت سلطة الاحتلال، وتجاهلوا ما حصل وما يحصل للفلسطينيين من اعتقالات تعسفية واغتيالات علنية، وتهجير متكرر، وإنشاء حواجز عسكرية تمنع حرية الحركة التي تكفلها مواثيق الأمم المتحدة والقوانين العربية والغربية، ولا عجب أيها العربي والمسلم، أن تجد فئة محسوبة علينا تتجاهل كل هذه التضحيات، فاليد التي في النار ليست كاليد التي في الماء، فمن تنمى على رغد العيش ورفاهية النفط والمال الذي ظهر دون جهد شاق، ليس كمن نما على أصوات الدبابات والبنادق، مواجهاً لها بصدور عارية، وأياد حاملة للحجارة.
العجيب في هذا الأمر، أنه لم يسجل لهذه القنوات مسلسل يجسد معاناة الشعب الفلسطيني، أو برنامج يكشف حقيقة الكيان الصهيوني، بل أن القضية الفلسطينية باتت في نظرهم ليس لها أي اهتمام، وكأنها عبء على أعتاقهم، وبكل بساطة يمكننا القول إن كانت القضية الفلسطينية قد ضيقت حالكم، وسودت وجوهكم، وألحقت بكم الخيبة والخزي والعار؛ فدعوها وشأنها ولها رجالها البواسل الذين عاهدوا الله لا يتراجعون قيد أنملة عن مبادئهم وقيمهم التي ترعرعوا عليها من آبائهم العظماء، وإن لم تنفعوا الشعب الفلسطيني فلا تضروه.
ختاماً، ثمة سؤال يطرح نفسه في هذا السياق وهو ما الهدف الذي تسعون وراءه من ترويجكم للتطبيع ضد شعب أعزل، انتهكت إنسانيته، وسلبت حقوقه، وضاعت كرامته، ودنست مقدساته بين أمة المليار ونصف المليار؟
19 مايو 2020