الرئيسية| التقارير |تفاصيل الخبر

انتفاضة "براون".. جبهة النضال الطلابي الأولى من أجل فلسطين

مظاهرة طلابية داعمة لفلسطين في جامعة براون
مظاهرة طلابية داعمة لفلسطين في جامعة براون

منذ أشهرٍ، يُواصل طلاب جامعة "براون" الأمريكية العريقة (Brown University)، تحرّكاتهم الداعمة للفلسطينيين في ظلّ ما يتعرّضون له من إبادةٍ جماعية على يد الاحتلال الإسرائيلي. وطوال أسابيع، شكّل حراك المجموعات الطلابية المناصرة للقضية الفلسطينية في "براون" إلهامًا لزملائهم على نطاق واسع داخل الجامعات الأمريكية الكبرى.

كيف بدأت الشرارة الأولى؟
من اللحظة الأولى للعدوان، شهدت الجامعة فعاليات طلابية تُطالب مجلس الإدارة بسحب استثماراته من الشركات المرتبطة بالاحتلال، وإصدار موقفٍ واضحٍ يدعم الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار في قطاع غزّة، دون قيدٍ أو شرط. وفي نوفمبر الماضي، شهدت "براون" توترات متصاعدة على خلفية جريمة الكراهية ضد الطالب الفلسطيني في الجامعة، هشام عورتاني، وطالبين فلسطينيين آخرين، في عمر الـ20 عامًا يدرسان في كليات مختلفة، أثناء زيارتهم لعائلاتهم في ولاية فيرمونت.


الجريمة التي من شأنها بث الخوف في الأوساط الطلابية الهادرة، لم تردع طلاب "براون" عن الاستمرار بالاحتجاج، فنفّذوا حينها اعتصامات متتالية للتعبير عن غضبهم وإحباطهم من الهجوم المسلح ضد عورتاني، الذي لزم فترة نقاهةٍ طويلة من الإصابة في عموده الفقري. فيما أجبرت حدّة الاحتجاجات رئيسة الجامعة، كريستينا باكسون، على الخروج لمواجهة الطلاب المنتفضين ضدّها.

إطلاق النار كشف كذلك عن انقسامٍ بين الطلاب المناهضين للوجود الإسرائيلي في قطاع غزّة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وأولئك الموالين. ففي حدثٍ آخر ذاك الأسبوع، نفّذت شرطة الجامعة حملة قمع واسعة ألقت فيها القبض على 20 طالبًا، ووجهت إليهم تهمة التعدي على ممتلكات الغير بعد أن رفضوا فضّ اعتصام خارج مكتب باكسون. لكن التهم أُسقطت عقب الجريمة، إذ قرّرت إدارة الجامعة التراجع مؤقتًا أمام المظاهرات الطلابية التي اجتاحت الحرم الجامعي.


"من المهم أن نُدرك أن هذا جزء من القصة الأكبر. هذه الجريمة البشعة لم تحدث من فراغ.. أنا مجرّد ضحية واحدة في هذا الصراع الأوسع بكثير".

  • هشام عورتاني، الطالب المُصاب

    وبينما كان عورتاني يسير بالقرب من الحرم الجامعي في رود آيلاند مع أصدقائه القدامى، كنان عبد الحميد، الطالب الأمريكي من أصلٍ فلسطيني في جامعة هارفارد، وتحسين علي أحمد، من كلية ترينيتي والمقيم قانونيًا في الولايات المتحدة، أُصيبوا بإطلاق النار من مجهول ووضعوا بعدها تحت الرعاية الطبية. (1)
     

    "أشعر بأن الأمور ربما ستتغيّر بالنسبة للفلسطينيين هنا بعد الآن، لكن هذا ليس جديدًا. كنا نعلم أننا لسنا آمنين. كنا نعلم أننا لسنا محميين".

    عبود أشهب، طالب في "براون" من الضفة الغربية

     

    ردود فعل واسعة على الجريمة!

    ألقت الشرطة الأمريكية القبض على جيسون إيتون (48 عامًا)، كمشتبه به في الجريمة، وذلك في عملية تفتيش وتحقيق في منطقة إطلاق النار في بيرلينغتون.

    وجمعت سلطات إنفاذ القانون، الأدلة أثناء تفتيش شقة إيتون في مبنى قريب من موقع إطلاق النار. بينما قال قائد شرطة بيرلينغتون، جون مراد، في بيانٍ، إن الهجوم "ربما كان جريمة كراهية، فاثنين من الضحايا كانا يرتديان الكوفية الفلسطينية".

    وأضاف: "دون أن يتكلم (المجرم)، أطلق 4 طلقات على الأقل من المسدس، ويُعتقد أنه هرب. وقد أُصيب الضحايا الثلاثة، اثنان في جذعهم وواحد في الأطراف السفلية".

    وفي السياق، نشر مكتب التحقيقات الفدرالي الإقليمي في نيويورك، بيانًا، قال فيه إنه يحقق في إطلاق النار مع إدارة شرطة بيرلينغتون المحلية ووكالات اتحادية وحكومية ومحلية أخرى. (2)


    وبتاريخ 9 مارس الجاري، مثُل المتهم بإطلاق النار أمام القاضي، ودفع جيسون إيتون ببراءته من 3 تهم بمحاولة القتل في الحادثة التي وقعت قبل 4 أشهر تقريبًا. فيما ارتدى أغلب من حضروا المحاكمة في قاعة المحكمة الكوفية الفلسطينية. (3)

    أما عائلات الضحايا فأصدرت بيانًا مشتركًا، حثّت فيه السلطات على التحقيق في إطلاق النار على أنه جريمة كراهية، وهو ما دعت له -أيضًا- "اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز" أحد أقدم المنظمات الحقوقية العربية في الولايات المتحدة. وفي بيانٍ، أدانت اللجنة الحادث، مطالبةً "المباحث الفدرالية" (FBI) بالتدخل والتحقيق فيه، وقالت: "بعد مراجعة المعلومات الأولية المتوفّرة، لدينا سبب للاعتقاد بأن إطلاق النار هذا حدث لأن الضحايا عرب". وأكد المدير التنفيذي للجنة، عابد أيوب، أن "المشاعر المُعادية للعرب والفلسطينيين تصاعدت بشكلٍ غير مسبوق في الولايات المتحدة"، وأن الجريمة "مثالٌ آخر على تحوّل تلك الكراهية إلى عنفٍ". من جانبه، عرض مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، في بيانٍ، مكافأة قدرها 10 آلاف دولار لمن يُقدّم معلوماتٍ تُساعد في القبض على مرتكبي الجريمة. كما دعا سلطات إنفاذ القانون الفدرالية والولائية في فيرمونت إلى التحقيق في الدافع المُحتمل وراء الهجوم.
     

     
    معركة سحب الاستثمارات!

    شهدت جامعة "براون" منذ أكتوبر الماضي، اعتصامين طلابيين داخل مكاتب الإدارة، واعتقالات طالت أكثر من 60 طالبًا على دفعتين، تتواصل محاكمة 41 منهم جنائيًا حتى اليوم، رغم تراجع الإدارة قبل شهور مؤقتًا أمام تصاعد مظاهر الضغط الطلّابي.


    وبتاريخ 11 ديسمبر، اعتصم الطلاب داخل المبنى الإداري لقاعة الجامعة، مطالبين باكسون ومديري الكليات كافةً بسحب استثمارات الجامعة من الشركات التابعة لكيان الاحتلال والمتواطئة بإبادته، كذلك بالتراجع عن موقفها المؤيد للاحتلال العسكري الإسرائيلي، لترد الإدارة باستدعاء الشرطة المحلية التي احتجزت 41 طالبًا منهم، وقيّدتهم بالأصفاد.

    وردًا على محاولات الترهيب والقمع، احتشد المئات من طلاب الجامعة من أجل التصدي لاعتقال زملائهم، فقامت الشرطة المحلية أيضًا بتحرير محاضر اتهام للمحتجزين داخل المبنى، ثم أطلقت سراحهم بشكل متفرق تباعًا.

    وادّعت إدارة الجامعة أنه رغم أن الاحتجاج وسيلة تعبير ضرورية ومقبولة في الحرم الجامعي، فإنه لا يجوز للطلاب "التدخل في وظائفها"، مهددةً بـ"عواقب أكثر خطورة إذا ما فشل الطلاب في مراعاة القيود المفروضة على وقت الاحتجاجات ومكانها وطريقة تنفيذها". كما أمعنت في توجيه تهمة "التعدي على ممتلكات الغير" ضدّ الطلاب الـ41 التابعين لتحالف Brown Divest، وجرى بدايةً تحديد 6 مواعيد لمحاكمتهم خلال العطلة الشتوية، مع حرمانهم من السكن الجامعي. وفي وقتٍ لاحق، أصدرت الإدارة بيانًا قالت فيه إنها ستقوم بـ"تصعيد مستوى التهم الجنائية ضد الطلاب" لقمع أيّ فعاليات طلابية مستقبلية داخل المباني الجامعية. (5)
     

    14 ألف رسالة لإسقاط التهم!

    في 17 ديسمبر الماضي، انطلقت حملةُ كتابة الرسائل التي أُرسلت إلى الجامعة مباشرةً من أجل المطالبة بإسقاط تهم "التعدي على الممتلكات"، عن الطلاب على خلفية اعتصام قاعة الجامعة، ولمطالبة باكسون، بدعم وقف الإبادة في غزة، وسحب الاستثمارات من الشركات المرتبطة بجيش الاحتلال. إلا أن جلسات الاستماع للطلاب عُقدت منتصف الشهر الماضي، الأولى لـ20 طالبًا، والثانية بعدها بيومين للـ21 المتبقين، أثبتوا خلالها براءتهم جميعًا من التهم الموجهة ضدهم، وذلك بحضور عشرات المتضامنين والطلاب والموظفين. فيما تم تحديد موعد مسبق للمحاكمة خلال مارس الجاري. هذا الأمر دفع الطلاب إلى مزيدٍ من الاحتجاج في وجه بطش جامعة "براون"، فواصلوا فعالياتهم التي تُطالب بإسقاط التهم عن الطلاب المُلاحقين من قبل الجامعة وسحب الاستثمارات.


    مطالبات الطلاب هذه لم تبدأ مع 7 أكتوبر، إذ كانوا قد صوّتوا عام 2019 لصالح تمرير إجراء استفتاء لسحب الاستثمارات، إلا أن باكسون عارضت الإجراء في ذلك الوقت، قائلةً في بيان إن "أوقاف براون ليس أداة سياسية تُستخدم للتعبير عن وجهات النظر حول القضايا الاجتماعية والسياسية المعقدة".

معركة الجوع!
"انتهى إضرابنا عن الطعام، لكن معركتنا ضد تواطؤ جامعة براون مع الإبادة الجماعية لم تنته بعد". بهذه الكلمات، أطلق الطلاب بيانًا أعلنوا فيه انتهاء إضرابهم عن الطعام الذي استمر 8 أيام كاملة، وخاضه 19 طالبًا، من أجل الضغط على الإدارة لسحب استثماراتها من شركات السلاح الداعمة للإبادة في غزة.

وبدأ الإضراب الطلّابي عن الطعام، قبيل انعقاد مجلس الجامعة لبحث الاستثمارات في شركات السلاح الصهيونية، يوميّ 8 و9 فبراير الماضي، والتي توعدت باكسون بالتصدي لكل الدعوات المطالبة بسحبها، رغم الصخب الإعلامي الذي أحدثه الإضراب. فيما ينفّذون، رغم محاولات القمع والتضييق، تظاهرات يومية في الحرم الجامعي.

"يتجنّب أعضاء الهيئة الإدارية النظر أثناء مرورهم بجانب الطلاب الذين لم يأكلوا منذ 8 أيام، لكنهم غير قادرين على تجاهل أصداء الاهتمام الصحفي الدولي واسع النطاق الذي أحدثوه المضربون عن الطعام".

- بيان طلاب "بروان"

وعلى مدى الأيام الـ8 لمعركة الإضراب، شارك أكثر من 650 من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين وأفراد المجتمع في ساعات تدريس وعروض أفلام واحتجاجات سبقت اجتماعيّ شركة "براون". وواجه المضربون عن الطعام والمئات من الطلاب الداعمين، أعضاء المؤسسة وجهًا لوجه، رغم محاولات المؤسسة التهرّب من المتظاهرين عبر تغيير مداخل وأماكن الاجتماعين.

"كمجتمعٍ تأكّدنا أنه لا يُمكن تجاهلنا. لا يوجد فرد واحد في هذا الحرم يستطيع أن يقول إن المؤسسة لم تُناقش موضوعنا، ناقشوا سحب الاستثمارات، وناقشوا قضية فلسطين. هذه هي قوتنا الجماعية".

أرييلا، طالبة شاركت بالإضراب عن الطعام

وقال الطلاب إن الشركات المتورّطة بالاحتلال في فلسطين والتي يجب سحب استثمارات الجامعة منها هي: أيه بي فولفو، وإيرباص، وبوينج، ودي إكس سي، وجنرال دايناميكس، وجنرال إلكتريك، وموتورولا، ونورثروب جرومان، وأوكتري كابيتال، ورايثيون، ويونايتد تكنولوجيز.

وكما جرت العادة، رفضت الرئيسة، كريستينا باكسون، تلبية المطالب "حتى تستجيب أعلى هيئة إدارية في الجامعة، وتستمع وتدرس قرار سحب الاستثمارات من الاحتلال خلال الاجتماعات المذكورة". وفي رسالتها إلى المتظاهرين، كتبت باكسون أن "حاجز سحب الاستثمارات مرتفع ويتطلب إثبات أن استثمارات الجامعة في أصول شركات معينة تخلق ضررًا اجتماعيًا، وأن سحب الاستثمارات سيخفف هذا الضرر". وفي تصريحاتٍ تحريضية أخرى، قالت باكسون إن الطلاب الـ19 المضربين عن الطعام، يمارسون "مؤامرة لا يُفترض فعلها في الجامعة". بينما شاركت منظمات طلابية بوقفةِ دعمٍ وإسنادٍ لهم.

وكانت 5 جامعات أمريكية كبرى، هي شيكاغو، وهارفارد، وانديانا، وييل، وجبل هوليوك، شهدت فعاليات طلابية تضامنية مع طلاب "براون". يُذكر أن طلاب الجامعة كانوا قد جمعوا، في أغسطس 2021، أكثر من ألف توقيع على رسالة تضامنية مع الشعب الفلسطيني تُدين التصعيد الإسرائيلي العنيف ضد الفلسطينيين في كافة أراضي فلسطين التاريخية، في وقتٍ أصدرت فيه إدارة الجامعة بيانًا كاذبًا يشجب "الزيادة الحادة في أعمال العنف والترهيب ضد اليهود". أما اليوم، وبعد انتهاء إضراب الأبطال في "براون"، تندلع الشرارة في جامعات وكليات جديدة، ويمتد وحي الثورة الطلابية إلى جامعة ماكجيل، وكلية دارتموث، بإعلان الطلاب هناك بدء إضرابات مفتوحة عن الطعام أيضًا.

معركتنا مستمرة في "براون" ومستمرة في هارفارد، وكولومبيا، وماكجيل ونيويورك، وجميع الجامعات التي تحوّلت اليوم إلى ميادين تضامن وتظاهر ومعاقل ثورية للحراك الطلابي الذي سينتصر لا محالة. (6)
 

المصادر:

 

مقاطعة نشطة

الأكثر قراءة

أخبار ذات صلة